ما تقول أأئمة الإسلام وورثة الأنبياء عليهم السلام - رضي الله عنهم وأرضاهم في صفة " سماع الصالحين " ما هو ؟ وهل سماع القصائد الملحنة بالآلات المطربة هو من القرب والطاعات .
أم لا ؟ وهل هو مباح أم لا ؟
أجاب : شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية - رضي الله عنه - الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صل الله عليه وعلى آله وسلم تسليما .
أصل هذه " المسألة " أن يفرق بين السماع الذي ينتفع به في الدين وبين ما يرخص فيه رفعا للحرج بين سماع المتقربين وبين سماع المتلعبين .
فأما السماع الذي شرعه الله تعالى لعباده وكان سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم يجتمعون عليه لصلاح قلوبهم وزكاة [ ص: 558 ] نفوسهم - فهو سماع آيات الله تعالى وهو سماع النبيين والمؤمنين وأهل العلم وأهل المعرفة .
قال الله تعالى لما ذكر من ذكره من الأنبياء في قوله : { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا } وقال : { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون } .
وقال تعالى : { إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا } { ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا } { ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا } .
وقال تعالى : { وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق } .
وبهذا السماع أمر الله تعالى كما قال تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } وعلى أهله أثنى كما في قوله تعالى { فبشر عباد } { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } .
وقال في الآية الأخرى : { أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين } فالقول الذي أمروا بتدبره هو القول الذي أمروا باستماعه .
وقد قال تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } .
وقال تعالى : { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته } .
وكما أثنى على هذا السماع ذم المعرضين عن هذا السماع فقال تعالى : { وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا } وقال تعالى : { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون } .
وقال تعالى : { وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا } { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا } وقال تعالى : { فما تنفعهم شفاعة الشافعين } { فما لهم عن التذكرة معرضين } { كأنهم حمر مستنفرة } { فرت من قسورة } .
وقال تعالى : { وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب } .
وقال تعالى : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا } { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا } .
وهذا هو السماع الذي شرعه الله لعباده في صلاة الفجر والعشاءين وغير ذلك .
وعلى هذا السماع كان أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم يجتمعون وكانوا إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم أن يقرأ والباقون يستمعون وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى : [ ص: 560 ] يا أبا موسى ; ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون .
وهذا هو السماع الذي كان النبي صل الله عليه وسلم يشهده مع أصحابه ويستدعيه منهم كما في الصحيح عن عبد الله بن مسعود قال : { قال النبي صل الله عليه وسلم اقرأ علي القرآن قلت : أقرؤه عليك وعليك أنزل فقال : إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى وصلت إلى هذه الآية .
{ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } قال : حسبك فنظرت فإذا عيناه تذرفان } وهذا هو الذي كان النبي صل الله عليه وسلم يسمعه هو وأصحابه .
كما قال تعالى : { لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة } و " الحكمة " هي السنة .
وقال تعالى : { إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين } { وأن أتلو القرآن فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين } وكذلك غيره من الرسل قال تعالى : { يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } .
وبذلك يحتج عليهم يوم القيامة .
كما قال تعالى : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين } .
وقال تعالى : { وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } .
وقد أخبر أن المعتصم بهذا السماع مهتد مفلح والمعرض عنه ضال شقي .
قال تعالى : { فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى } { قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا } { قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } .
وقال تعالى : { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } .
و " ذكر الله " يراد به تارة : ذكر العبد ربه ويراد به الذكر الذي أنزله الله .
كما قال تعالى : { وهذا ذكر مبارك أنزلناه } .
وقال نوح : { أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم } وقال : { وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } . وقال : { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه } . وقال : { وإنه لذكر لك ولقومك } . وقال : { إن هو إلا ذكر للعالمين } [ ص: 562 ] { لمن شاء منكم أن يستقيم } وقال : { وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين } .
وهذا " السماع " له آثار إيمانية من المعارف القدسية والأحوال الزكية يطول شرحها ووصفها وله في الجسد آثار محمودة من خشوع القلب ودموع العين واقشعرار الجلد وهذا مذكور في القرآن .
وهذه الصفات موجودة في الصحابة ووجدت بعدهم آثار ثلاثة : الاضطراب والصراخ والإغماء والموت في التابعين .
و " بالجملة " فهذا السماع هو أصل الإيمان ; فإن الله بعث محمدا صل الله عليه وسلم إلى الخلق أجمعين ليبلغهم رسالات ربهم فمن سمع ما بلغه الرسول فآمن به واتبعه اهتدى وأفلح ومن أعرض عن ذلك ضل وشقي .
وسوف نعرض الشق الاخر من السؤال فى مره قادمه باذنه تعالى
هدانا واياكم ربى الى الصراط المستقيم
وجعلنا ممن يستمعون الى القول فيتبعون أحسنه
-
-
اللهم استودعك قلبى فلا تجعل به احدا غيرك واستودعك لا اله الا الله فلقنها لى عند موتى :::