الحمد وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد: فلقد كان دأب الصالحين السابقين الجلوس مع إخوانهم من أجل زيادة الإيمان، قال معاذ -رضي الله عنه- لأحد إخوانه في الله: "اجلس بنا نؤمن ساعة"1.
وعن ابن سابط قال: "كان عبد الله ابن رواحة يأخذ بيد النفر من أصحابه فيقول: تعالوا نؤمن ساعة، تعالوا فلنذكر الله ونزدد إيماناً، تعالوا نذكره بطاعته لعله يذكرنا بمغفرته"2.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: "لا يحمل على أصل الإيمان لكونه كان مؤمناً، وأي مؤمن، وإنما يحمل على إرادة أنه يزداد إيماناً بذكر الله تعالى". وقال القاضي أبو بكر بن العربي: "لا تعلق فيه للزيادة؛ لأن معاذاً إنما أراد تجديد الإيمان؛ لأن العبد يؤمن في أول مرة فرضاً، ثم يكون أبداً مجدداً كلما نظر أو فكر".
وقد جاء في الحديث أيضاً عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)4.
فلا بد من الجلوس في مجالس يزداد فيها إيماننا، وترق بها قلوبنا؛ ومن الوسائل التي يزداد بها الإيمان: تعلم العلم النافع، وذكر الله والصلاة والسلام على رسوله؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة)5.
فلتكن مجالسنا: ذكر وتذكير، وعلم وعمل، مجالس عامرة بطاعة الله بعيدة عما يغضب الله.
ومن الممكن إقامة مجالس في أوقات مناسبة في شهر رمضان، يتولى ذلك القائمون على المسجد، وأن يدعوا أهل الحي إلى حضورها، والتفاعل معها، فإن في حضورها النفع والفائدة، قال ابن القيم -رحمه الله-: "الاجتماع بالإخوان قسمان: أحدهما اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت، فهذا مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب، ويضيع الوقت.
الثاني: الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة، والتواصي بالحق والصبر، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها"6.
ولا شك أننا نريد أن تكون اجتماعاتنا وجلساتنا من النوع الثاني مجالس وعظ وتذكير، وتعاون على البر والتقوى، وتأليف القلوب، وحث على العمل الصالح.
وليس معنى هذا أن تكون تلك المجالس جادة إلى حد لا يسمح فيه بالكلام في أمور أخرى أو ممازحة هادفة، بل لا مانع من خلط تلك المجالس بشيء من الأمور الترفيهية وأساليب التسلية على النفس، مع تناول بعض المشروبات، حتى لا يمل الحضور، كما ينبغي أن لا تطول تلك الجلسة، بل يراعى فيها الزمان المناسب للجميع..
والله نسأل أن يجعلنا ممن اغتنم ساعات حياته بما يقرب إليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
1 الجامع الصحيح المختصر(1/7). الناشر: دار ابن كثير. اليمامة –بيروت. الطبعة الثالثة (1407هـ). تحقيق: د. مصطفى ديب البغا.
2 رواه ابن أبي شيبة في مصنفه.
3 فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/48) الناشر: دار المعرفة-بيروت (1379هـ).
4 رواه الحاكم في المستدرك، وقال الذهبي في التلخيص: رواته ثقات.
5 رواه أبو داود، وقال الألباني: "صحيح".
6 الفوائد، صـ(51- 52). الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت. الطبعة الثانية (1393 هـ).