هوى النفس هو ما تميل إليه نفس المرء وتستحسنه، وقد يبدأ هذا الميل للهوى بمجرد استحسان فكرة ما يميل المرء إليها، ثم يفتتن بها، ويعمل بها ولها.
وتتملك عليه حواسه وحياته، وتقتطع من تفكيره وعقله معظمهما ثم كلهما، فإذا وصل إلى هذه الدرجة من الإيمان بالهوى فقد أصبح عابدا له، وهو ما يقول عنه القرآن الكريم: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) – الفرقان 43.
فى هذه الآية الكريمة، يخاطب القرآن الرسول الكريم بأن: يا محمد إذا اصطدمت بمن اتخذ إلهه هواه؛ فليست الهداية والضلالة موكولتين إلى مشيئك، وإنما عليك التبليغ والله تعالى عليه الحساب والثواب والعقاب.
وفى العديد من آيات القرآن أتى نهى الإنسان عن اتباع الهوى مع الخوف من عقاب الله عز وجل هما الطريق إلى رضوانه، يقول تعالى: ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ) – النازعات 40، لتكون العاقبة هى الجنة: (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِى الْمَأْوَى) – النازعات 41.
وفى الآيات الثلاث التى سبقت هاتين الآيتين يأتى ذكر تصرفين للإنسان هما: اتباع الهوى؛ ( فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِى الْمَأْوَى) – النازعات 37 – 39، والطغيان، وإيثار الحياة الدنيا هما الطريق إلى جهنم، والطغيان فى الآية هو الاستكبار عن عبادة الله والإصرار على معصيته.
فأين نحن الآن من مفهوم العبودية للهوى؟ أعتقد أننا ـ على وجه العموم ـ قد آثرنا الدنيا على الآخرة، وأصبحت الدنيا أكبر همنا، وأضحت همومنا فى دنيانا هى هموم معاشنا وتيسير ظروف حياتنا، ولا نفكر فى الموت والآخرة إلا قليلا.
وهذه الحال هى أقرب ما تكون – إن لم تكن هى – اتباع وعبادة الهوى، وعن إيثار الحياة الدنيا؛ ورد فى تفسير القرطبى:
(إن الله جل ثناؤه قال: لا يؤثر عبد لى دنياه على آخرته، إلا بثثت عليه همومه وضيعته، ثم لا أبالى فى أيها هلك)، ألا نرى بأعيننا بث الهموم فى أوجه حياتنا ومعاشنا كلها إذ أصبحنا عبيدا لأهوائنا وشهواتنا؟
والآن.. ولم يبق سوى ساعات ويأتى رمضان الكريم، وهو الشهر الذى أمرنا الله فيه بتزكية النفس بطاعة الله فيما أمر، والانتهاء عما نهى بحرمان النفس من شهواتها الحلال، والصيام حفظ لصحة البدن وانتصار للروح على المادة، وللعقل على الشهوة.
وتربية للإرادة وجهاد للنفس، وتعويد على الصبر، وصبر على الطاعة، وهو الفرصة السانحة أمام كل مسلم لينتهزها ويطرق بها أبواب مغفرة ورضوان الله تبارك وتعالى، ويبتعد بها عن طريق الهوى..
حتى تكون دعواتنا أن يعيد الله علينا رمضان المقبل بالخير والإيمان مقبولة بإذن الله، فاللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيام أيامه، وقيام لياليه، وطهر اللهم نفوسنا من اتباع الهوى، اللهم آمين.. والله من وراء القصد.