أيهما أفضل : الصبور أم قليل الصبر ؟

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

لا أقصد المفاضلة بين من يصبر على الابتلاءات والمحن ومن يجزع أمامها، فهذا النوع من الصبر محمود بلا جدال وقال فيه العليم الخبير: ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).

ولكن سؤالي يتعلق بالصبر على أوضاع سيئة أو على الأقل غير جيدة بما فيه الكفاية وبالإمكان تغييرها. في ظني، في كلٍ خير. لأن الصبر على الروتين وتكرار الأعمال دون ملل أو كلل يحافظ على استقرار المؤسسات والمجتمعات، وقلة الصبر على الرجعية والفساد تدفع للتقدم والتطور.

لتوضيح الفكرة أضرب مثالا حدث معي منذ فترة عندما كنت في أحد البنوك الإسلامية المعروفة ببطء الحركة فيها. كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة صباحاً بقليل. أي أن البنك بدأ عمله قبل أكثر من نصف ساعة، وكانت مقاعد الانتظار كلها تقريباً مشغولة، وكانت موظفة واحدة فقط هي التي بدأت بمساعدة العميلات وما زالت مع العميلة رقم واحد.

جلست أنتظر لمدة عشر دقائق تقريباً دون أن أرى تقدما حتى نفد صبري، فرفعت صوتي، دون صراخ، ليخترق جدار الصمت قائلة: «يا جماعة خلصوا الناس مو معقولة هالحركة البطيئة!» والذي نفسي بيده ما هي إلا ثوان معدودة حتى فتح كاونتر آخر وتعالت أصوات الموظفات تنادي على أرقام المراجعات ودبت الحركة في المكان، ليس لأني من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة وسيؤدي سحب أموالي إلى زعزعة البنك، ولا لأني صاحبة نفوذ في البلاد، بل فقط لأني قليلة صبر.لو عرضنا صورة مكبرة لتأثير الصبر وقلة الصبر في هذا المثال وأسقطناها على المؤسسات والمجتمعات الكبيرة لوجدنا نفس النتيجة.

إن الحفاظ على كثرة تصبر على الروتين وتتجاوز عن السلبيات، وتطعيمها بقلة من قليلي الصبر الذين يثورون على التخلف والفساد ضروري للموازنة بين استقرار المؤسسات وتطورها. بالعودة لمثال البنك الذي ذكرته نرى أنه كانت هناك كثرة من المراجعات صابرة على بطء الحركة.

لو ضاقت كل مراجعة ذرعاً بهذا البطء لما بقيت واحدة منهن في البنك، ولاتجهت لبنك آخر يتعامل بحرفية أكبر ( تماماً كما فعلت أنا !! ) ما سيهدد استمرار عمل البنك المذكور. ولو انعدم أيضاً وجود قليلي الصبر لاستمر البنك في غيّه ( عذراً ). ربما يكون عامل الصبر هو أحد أسباب تفوق البنوك «التقليدية» على البنوك الإسلامية في جودة الخدمة. فعملاء البنوك «التقليدية» أغلبهم من الأجانب الذين اعتادوا على مستوى معين من الحرفية في العمل ولن يصبروا على ما سيصبر عليه المسلمون من عملاء البنوك الإسلامية. ألم تر يوماً ملصقاً مطبوعاً عليه «املأ دقائق الانتظار بالاستغفار»؟ لا اعتراض على جدوى ملء وقت الانتظار بالاستغفار، فطوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيرا، ولكن ليس من أجل الانتظار أنشئت البنوك، وإلا وجدت نفسها تخصص 90% من مساحة مبانيها لقاعات انتظار.وحتى في الشرع ليس مطلوباً من المسلم أن يصبر ويضيع وقته في الترديد والتكرار، ففي الأثر أن النبي عليه الصلاة والسلام ترك إحدى زوجاته تسبح بعد الفجر، ثم رجع بعد أن ارتفع النهار فوجدها على حالها، فقال لها «لقد قلت بعدك أربع كلمات تعدل ما قلته منذ الصباح وهي: ( سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه ومداد كلماته ).